ألم البطن عند الأطفال

ألم البطن عند الأطفال: أكثر الأعراض المرضية شيوعًا ودلالاته الطبية

يُعد ألم البطن من أكثر الأعراض التي تدفع الأهل إلى استشارة الطبيب بشأن صحة أطفالهم، وهو عرض شائع يتراوح في شدته وأسبابه بين البسيط والعابر إلى حالات خطيرة تتطلب التدخل الطبي الفوري. قد يترافق ألم البطن عند الأطفال مع مجموعة متنوعة من الأعراض المصاحبة مثل الغثيان، القيء، الإسهال، الإمساك، الحمى، أو فقدان الشهية، مما يجعل تقييمه سريريًا معقدًا ويحتاج إلى دقة في التشخيص. ويزداد تعقيد التشخيص في الأطفال الأصغر سنًا بسبب محدودية قدرتهم على التعبير عن طبيعة الألم ومكانه.

تشير الإحصائيات الطبية إلى أن ما يقارب 10–15% من زيارات الأطفال للطوارئ يكون سببها ألم البطن، مما يبرز أهمية هذا العرض في الممارسة السريرية اليومية، والحاجة إلى فهم أبعاده وأسبابه المختلفة سواء العضوية أو الوظيفية أو النفسية.

أولاً: تصنيف ألم البطن عند الأطفال

يمكن تصنيف ألم البطن عند الأطفال إلى ثلاث فئات رئيسية، تختلف كل منها في الخصائص السريرية، الأسباب المحتملة، وطرق التشخيص والعلاج:

1. ألم البطن الحاد: يظهر فجأة ويكون عادةً شديدًا، ويتطلب تدخلًا سريعًا لتشخيص السبب وعلاجه، إذ قد يشير إلى حالات خطرة مثل التهاب الزائدة الدودية أو انسداد الأمعاء.

2. ألم البطن المزمن: يستمر لفترة أطول من شهرين أو يتكرر بشكل دوري، وهو غالبًا ما يكون مرتبطًا بحالات وظيفية مثل متلازمة القولون العصبي.

3. ألم البطن المتكرر: يُعرّف بأنه ألم يحدث ثلاث مرات أو أكثر خلال فترة ثلاثة أشهر، ويؤثر على الأنشطة اليومية للطفل. وغالبًا ما يكون له خلفيات نفسية أو سلوكية إضافةً إلى الأسباب العضوية.

ثانيًا: الأسباب العضوية الشائعة لألم البطن

الأسباب العضوية لألم البطن متعددة وتشمل ما يلي:

1. العدوى الهضمية

تعد العدوى الفيروسية أو البكتيرية من أكثر أسباب آلام البطن الحادة عند الأطفال. وتشمل أعراضها المصاحبة عادةً الإسهال، الغثيان، الحمى، والتقيؤ. وتنتج هذه العدوى غالبًا عن استهلاك أطعمة أو مياه ملوثة، أو نتيجة العدوى التنفسية المصاحبة.

2. الزائدة الدودية

التهاب الزائدة الدودية هو أحد الأسباب الطارئة الشائعة لألم البطن عند الأطفال في سن المدرسة والمراهقة. يبدأ الألم عادةً في منتصف البطن ثم ينتقل إلى الجهة اليمنى السفلى. ويصاحبه ارتفاع في درجة الحرارة وغثيان.

3. انسداد الأمعاء

قد يحدث انسداد الأمعاء بسبب التواء الأمعاء، الفتق، أو التداخل المعوي، ويكون الألم حينها حادًا ومصحوبًا بالتقيؤ وغياب حركة الأمعاء، وقد يصاحبه انتفاخ بطني ملحوظ.

4. الاضطرابات البولية

مثل التهابات المسالك البولية أو وجود حصى في الكلى، وهي من الأسباب الخفية لألم البطن السفلي أو الجانبي عند الأطفال. ويمكن تشخيصها عبر تحليل البول والتصوير بالموجات فوق الصوتية.

5. الإمساك المزمن

يعد الإمساك من أكثر أسباب ألم البطن شيوعًا عند الأطفال، خصوصًا في المراحل العمرية المبكرة. ويكون الألم غالبًا متقطعًا وغير محدد المكان، ويخف بعد التغوط.

ثالثًا: الأسباب الوظيفية والنفسية لألم البطن

تُشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من آلام البطن المتكررة عند الأطفال لا يكون لها سبب عضوي واضح، ويُصنَّف حينها الألم كوظيفي أو نفسي المنشأ، وهو ما يُعرف بـ “ألم البطن الوظيفي”.

1. القولون العصبي

من أكثر الأسباب الوظيفية لألم البطن، حيث يشعر الطفل بألم معوي متكرر يترافق مع تغيّر في نمط الإخراج بين الإسهال والإمساك. يكون التشخيص سريريًا بعد استبعاد الأمراض العضوية.

2. القلق والتوتر

الضغوط النفسية في المنزل أو المدرسة، أو الخوف من الامتحانات أو من الانفصال عن أحد الوالدين قد تؤدي إلى ظهور أعراض جسدية، من أبرزها ألم البطن. وغالبًا ما يُلاحظ تحسن الأعراض خلال العطل أو في بيئات غير مثيرة للقلق.

3. الاضطرابات النمائية

بعض الأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد أو فرط الحركة قد يُظهرون ألمًا بطنيًا كأحد المظاهر السلوكية المصاحبة لاضطراباتهم العصبية.

رابعًا: تشخيص ألم البطن عند الأطفال

يعتمد تشخيص ألم البطن على عدة عناصر أساسية تبدأ بالتاريخ المرضي المفصل، تليه الفحص السريري الدقيق، وقد تتطلب الحالة بعض الفحوصات المخبرية أو التصويرية حسب الاشتباه السريري. ومن بين وسائل التشخيص المستخدمة:

خامسًا: مؤشرات الخطر التي تستوجب التدخل الفوري

بعض العلامات المصاحبة لألم البطن قد تشير إلى وجود حالة خطيرة تتطلب التوجه العاجل للطوارئ، ومنها:

• ألم شديد مفاجئ يمنع الطفل من الحركة

• قيء متكرر أو دموي

• انتفاخ البطن مع غياب التغوط

• ارتفاع شديد في الحرارة

• ضعف شديد أو فقدان للوعي

• وجود دم في البراز

هذه المؤشرات تستوجب عدم التأخر في عرض الطفل على الطبيب لتجنب المضاعفات.

سادسًا: طرق العلاج حسب السبب

يعتمد علاج ألم البطن على السبب الأساسي. في الحالات البسيطة، قد يكفي الراحة والإكثار من السوائل، بينما تتطلب الحالات المعقدة علاجات طبية أو جراحية.

1. العلاج الدوائي

يشمل مسكنات الألم عند الضرورة، أدوية معالجة الإمساك، المضادات الحيوية عند وجود عدوى، ومضادات الحموضة أو مضادات التقلص حسب الحاجة.

2. العلاج الغذائي

تُعد التعديلات الغذائية من الركائز الأساسية في علاج الألم الناتج عن الإمساك أو القولون العصبي، مثل زيادة الألياف وتقليل السكريات والوجبات السريعة.

3. العلاج النفسي والسلوكي

يفيد العلاج السلوكي المعرفي في الحالات المرتبطة بالقلق أو الاضطرابات النفسية. ويشمل تدريب الطفل على مهارات التعامل مع التوتر وإعادة هيكلة التفكير السلبي.

سابعًا: الوقاية ودور الأهل

تلعب الأسرة دورًا مهمًا في الوقاية من ألم البطن لدى الأطفال من خلال:

• توفير بيئة نفسية مستقرة خالية من التوتر

• تشجيع الطفل على التغذية الصحية والنشاط البدني

• توعية الطفل بأهمية النظافة الشخصية وغسل اليدين

• تجنب الأطعمة المكشوفة أو الملوثة

• مراقبة نمط الإخراج والتدخل المبكر في حالات الإمساك

ثامنًا: الحالات الخاصة المرتبطة بالعمر

يختلف تشخيص ألم البطن باختلاف عمر الطفل:

حديثو الولادة:

قد يكون الألم ناتجًا عن مغص الرضّع، أو انسداد معوي خلقي، أو حالات مثل “الانغلاف المعوي” والتي تعتبر طارئة.

الأطفال ما بين 1–5 سنوات:

يكثر ظهور حالات الزائدة الدودية، العدوى المعوية، أو الإمساك المزمن.

الأطفال في سن المدرسة والمراهقين:

تزداد فيه نسبة آلام البطن النفسية والوظيفية نتيجة الضغط الدراسي أو التغيرات الهرمونية.

تاسعًا: التوجه الحديث في البحوث الطبية

تشير الدراسات الحديثة إلى أهمية الدمج بين التقييم النفسي والعضوي في تشخيص ألم البطن عند الأطفال، حيث تُظهر البحوث أن ما يقارب 40% من الحالات المزمنة تعود إلى أسباب مزدوجة تجمع بين عوامل نفسية وعضوية. وقد أظهرت التدخلات الشاملة التي تتضمن العلاج الغذائي، الدوائي، والدعم النفسي فعالية أكبر في تقليل الأعراض وتحسين جودة الحياة لدى الأطفال.

المصادر والمراجع:

1. American Academy of Pediatrics – Abdominal Pain in Children Clinical Guidelines.

2. World Gastroenterology Organisation Global Guidelines – Pediatric Functional Gastrointestinal Disorders.